شرف علم الأنساب
للروم من العلوم الطب، ولأهل اليونان الحكمة والمنطق، وللهند التنجيم والحساب، وللفرس الآداب، أعني: آداب النفس والأخلاق. ولأهل الصين الصنائع.
وللعرب الأمثال وعلم النسب، فعلوم العرب الأمثال والنسب، واحتاج كل واحد من العرب إلى أن يعلم سمت كل لقب، ومصالحه، وأوقاته، وأزمنته، ومنافعه في رطبه ويابسه، وما يصلح منه للبعير والشاة.
ثم علموا أن شربهم ماء السماء، فوضعوا لذلك الأنوار. وعرفوا تغير الزمان وجعلوا نجوم السماء أدلة على أطراف الأرض وأقطارها، ليس لهم كلام إلا وهم خاضعون فيه على المكارم، يفتحون للروائل، مرغبون في اصطناع المعروف وحفظ الجار وبذل المال، وأثبتوا المعاني نصب كل واحد منهم ذلك بعقله، ويستخرجه بفكره، ويعبر من طريق المثل بلفظ وجيز عن معاني كثير فيها علم مستأنف من التجارب.
وليس في الفرس والروم والترك والبربر والهند والزنج من يحفظ اسم جده، أو يعرف نسبه؛ لذلك تداخلت أنسابهم، وسمي بعضهم إلى غير أبيه. والعرب يحفظ الأنساب، فكل واحد منهم يحفظ نسبه إلى عدنان، أو إلى قحطان، أو إلى إسماعيل، أو إلى آدم عليه السلام، فلذلك لا ينتمي واحد منهم إلى آبائه وأجداده، ولا يدخل في أنساب العرب الدعي.
وخلصت أنسابهم من شوائب الشك والشبهة، فكل واحد من العرب يتناسب أصله وفرعه، ويتناصفه بحره وطبعه وزكى ندره وزرعه.
فللعرب من المنابت أزكاها، ومن المغارس أتمها وأعلاها. ولجمع العرب كرم الأدب إلى كرم الأنساب، ولقنهم الله الحكمة وفصل الخطاب، ولولا علم الأنساب لانقطع حكم المواريث وحكم العاقلة، وهما ركنان من أركان الشرع، ولما عرف الرجل فرسه من لعده، ومن يرثه ومن لا يرثه ممن يرث منه.
وكانت العرب أنهم إذا فرغوا من المناسك حضروا سوق عكاظ، وعرضوا أنسابهم على الحاضرين، ورأوا ذلك من تمام الحج والعمرة، لذلك قال الله تعالى " فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكراً " .
ــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر : كتاب لباب الأنساب والألقاب والأعقاب
المؤلف : البيهقي